"من السهل إغراؤنا لكي نرى المصالحة والعدالة على أنهما مساواة بين العدل والظلم. بعد أن حصلنا على حريتنا، من السهل أن نقع في الفخ ونغسل أيدينا من الصعوبات التي يواجهها الآخرون، لكننا نكون عديمي الإنسانية إذا ما فعلنا ذلك. يجب على جميع مواطني جنوب أفريقيا الذين استفادوا في السابق من الدعم الدوليّ السخيّ أن يأخذوا موقفاً يحسب له حساب من بين المساهمين بفاعلية من أجل قضية الحرية والعدالة." - نيلسون مانديلا، 4 ديسمبر 1997
رام الله المحتلة، 30 سبتمبر 2010 – ترحب الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل بالقرار الذي اتخذه مجلس جامعة جوهانسبرغ "بعدم الاستمرار في علاقة طويلة الأمد مع جامعة بن غوريون في إسرائيل في شكلها الحالي" وبوضع عدّة شروط "لاستمرار تلك العلاقة".(1) إن قرار مجلس الجامعة بإعطاء جامعة بن غوريون مهلة ستة أشهر لإنهاء تواطئها مع جيش الاحتلال ووضع حدّ لسياسات التمييز العنصري ضد الفلسطينيين يشكل خروجاً ملموساً عن موقف العلاقة المعتادة (business as usual) الذي حكم الاتفاقات بين هاتين المؤسستين حتى وقت قريب. (2)
إذا كان قرار مجلس جامعة جوهانسبرغ هو خطوة أولى جديرة بالثناء في الاتجاه الصحيح نحو إنهاء العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية المتورطة في سياسات الفصل العنصري (الأبارتهايد) ودعم الاحتلال، فإن الانتصار الحقيقي يكمن في التعبئة المكثفة وعملية رفع الوعي التي قام بها ناشطون وأكاديميون معروفون في جنوب أفريقيا، والتي أكدت، بدون أي شكّ، على تنامي التأييد لحقوق الشعب الفلسطيني بشكل هائل في جنوب أفريقيا. كما لعبت عملية رفع الوعي هذه دوراً أساسياً في التأثير على قرار مجلس جامعة جوهانسبرغ. فقد وقّع ما يزيد عن 250 أكاديمياً، بمن في ذلك بعض الشخصيات البارزة، من كافة المؤسسات الأكاديمية في جنوب أفريقيا، على عريضة تحثّ جامعة جوهانسبرغ على قطع كافة علاقاتها مع جامعة بن غوريون. كما كان تركيز وسائل الإعلام الرئيسية، في الغرب وجنوب أفريقيا، على حقائق تواطؤ جامعة بن غوريون والمسؤولية الأخلاقية الثقيلة الملقاة على كاهليّ المؤسسات الجنوب أفريقية على وجه الخصوص تجاه إنهاء كافة اشكال التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية التي تمارس نظام الفصل العنصري، غير مسبوق، مع تغطية واسعة لتلك الآراء المؤيدة للعدالة والقانون الدولي.
وطالب مجلس جامعة جوهانسبرغ جامعة بن غوريون بأن "تحترم واجب جامعة جوهانسبرغ بأن تأخذ على محمل الجدّ الادعاءات حول سلوك أصحاب المصلحة في جامعة بن غوريون الذي لا ينسجم مع قيم جامعة جوهانسبرغ" وأن تقدم المزيد من المعلومات عن "سياسات جامعة بن غوريون وممارساتها غير الرسمية". في خضم شرحه لهذا الإنذار الموجه لجامعة بن غوريون، صرح آدم حبيب، الذي يشغل منصب نائب رئيس جامعة جوهانسبرغ للجزيرة (3):
نحن نعلم أن جامعة بن غوريون لديها مشاريع مشتركة مع الجيش الإسرائيلي، كما نعلم أن الجامعة تنفّذ سياسة الدولة مما يؤدي دائماً إلى التمييز ضد الشعب الفلسطيني. لذلك لا يمكن أن تكون هناك أي أنشطة مشتركة بين جامعة جوهانسبرغ ومؤسسة إسرائيلية تعليمية تمارس التمييز ضد الشعب الفلسطيني.
ورحب سليم فالي، وهو باحث رئيسي في كلية التربية في جامعة جوهانسبرغ ومتحدث باسم لجنة التضامن مع الفلسطينيين، بقرار الجامعة قائلاً: "رغم أن لجنة التضامن تدعم فرض مقاطعة تامّة وواضحة على جميع المؤسسات الإسرائيلية الرسمية [بما فيها الجامعات]، إلا أن قرار جامعة جوهانسبرغ يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، ونحن واثقون بأنها ستقود إلى مقاطعة أكثر شمولاً لإسرائيل في المستقبل". (4)
بغض النظر عن كل المآخذ المتعلقة بتفاصيل هذا القرار، وهو نتيجة متوقعة لتوازن حساس للقوى في جامعة لم تتخلص بعد من إرث الفصل العنصري من ماضيها، لا يمكن إلا النظر إلى القرار على أنه انتصاراً لمنطق المقاطعة ضد المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية المتواطئة، التي لطالما دعت إليها الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل وشركاؤها حول العالم، بما في ذلك في جنوب أفريقيا. إن هذا القرار هو بالفعل خطوة مهمة في اتجاه تحميل المؤسسات الإسرائيلية مسؤولية تواطئها في تأبيد الاحتلال والاستعمار ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. كما كتب روني كاسرلز، الوزير السابق وأحد زعماء المؤتمر الوطني الأفريقي في حقبة مناهضة الأبارتهايد، في صحيفة الغارديان: "إن الجامعات الإسرائيلية ليست مستهدفة للمقاطعة بسبب هويتها الإثنية أو الدينية، لكن بسبب تورطها في نظام الأبارتهايد الإسرائيلي". (5)
إن الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل تحيي بحرارة جميع الذين نظموا أو أيّدوا حملة مقاطعة جامعة بن غوريون. إن العريضة غير المسبوقة، والتي وقع عليها رؤساء أربع جامعات في جنوب أفريقيا وعدد من القادة البارزين مثل رئيس الأساقفة دزموند توتو وبريتن بريتنباخ وجون دوغارد وأنتيجي كروج وقادر أسمال وغيرهم، تدعو دون مواربة إلى قطع كافة الروابط مع جامعة بن غوريون، كما تدعو ضمناً إلى مقاطعة كافة المؤسسات الإسرائيلية المتواطئة في انتهاك القانون الدولي (6):
في حين لا يتمكن الفلسطينيون من الوصول إلى جامعاتهم ومدارسهم، تقوم الجامعات الإسرائيلية بإنتاج الأبحاث والتكنولوجيا والحجج والقادة للحفاظ على الاحتلال.
ودافع رئيس الأساقفة دزموند توتو عن المطالبة بقطع العلاقات مع المؤسسات الإسرائيلية المتواطئة قائلاً (7): "لا يمكن أن تستمر العلاقة المعتادة. فالجامعات الإسرائيلية تشكل جزءاً أساسياً من النظام الإسرائيلي، وهي اختارت بإرادتها أن تكون كذلك." وأضاف مؤكداً دعمه الثابت للحملة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS):
جنباً إلى جنب مع الشعوب المحبة للسلام على هذه الأرض، أدين أي شكل من أشكال العنف – لكننا بالتأكيد يجب أن ندرك أن المسجونين في قفص، الجياع والمجرّدين من حقوقهم المادية والسياسية الجوهرية، يجب أن يقاوموا فرعونهم، أليس كذلك؟ إن المقاومة أيضاً تؤنسننا، بالتأكيد. إن الفلسطينيين قد اختاروا، كما اخترنا نحن سابقاً، أدوات المقاومة السلمية المتمثلة في المقاطعة وسحب الاستثمارات و فرض العقوبات.
بينما يتحدى قرار جامعة جوهانسبرغ تواطؤ جامعة بن غوريون، إلا إنه لا يستجيب تماماً لدعوة رئيس الأساقفة توتو ولا لمطالب الـ 250 أكاديمي في جنوب أفريقيا الذين دعوا لقطع العلاقة بالكامل ودون شروط. إن القرار في جزء منه يؤسس افتراضات إشكالية ويقود إلى استنتاجات خاطئة من الناحية المفاهيمية والأخلاقية.
أولا، إن إقران استمرار العلاقات مع جامعة بن غوريون بعدة شروط منها ان يتم ضمّ جامعة فلسطينية في اتفاقية تعاون ثلاثي، يعكس افتراض مجلس الجامعة "المساوة بين العدل و الظلم"، الأمر الذي حذر منه نيلسون مانديلا، إذ أن ذلك النوع من الشراكة يعني الموازنة بين مؤسسة هي شريك نشيط في نظام الفصل العنصري والاحتلال ومؤسسة أخرى تعاني من ذلك النظام نفسه. لا يمكن الدفاع عن هذا الموقف أخلاقياً، خصوصاً عندما تتبناه مؤسسة أكاديمية جنوب أفريقية في طور التحول من جامعة أبارتهايد إلى أخرى ملتزمة بمبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية.
علاوة على ذلك، فإن هذا المقترح الذي يحاول أن يشرعن علاقة غير أخلاقية في جوهرها مع جامعة بن غوريون -- أقيمت خلال سنوات الأبارتهايد في أوج الشراكة الإسرائيلية مع نظام الحكم العنصري في جنوب أفريقيا -- يدعو لاستخدام ورقة توت فلسطينية، مما يخرق بشكل مباشر الموقف الثابت لمجلس التعليم العالي الفلسطيني الذي يدعو بثبات كافة المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية إلى عدم التعاون الفني والتقني بأي شكل من الأشكال مع الجامعات الإسرائيلية حتى ينتهي الاحتلال (8). كما إن هذا الشرط يتعارض مع النداء الفلسطيني للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (9) والمبادئ التوجيهية للمقاطعة الأكاديمية الدولية لإسرائيل (10)، واللذان يحظيان بتأييد واسع النطاق من قبل المجتمع المدني الفلسطيني، خاصة من جانب اتحاد نقابات أساتذة وموظفي الجامعات، الذي يمثل هيئات التدريس والعاملين في كل الجامعات والكليات الفلسطينية. هل إغراء الضحية لتصبح "شريكة" للمجرم يجعل المجرم أقل إجراماً؟
ثانياً، إن تصريح جامعة جوهانسبرغ بأنها "لن تشارك جامعة بن غوريون في أي أنشطة لها تبعات عسكرية مباشرة أو غير مباشرة" يتبنى منطقاً مقلقاً، إذا ما فسرناه بشكل حرفي، لا كما فسره بروفيسور حبيب أعلاه. فهو قد يعني أنه من المقبول القيام بأية أعمال مع كيان مجرم طالما كانت تلك الأعمال المحددة فوق الشبهات. لو تم تطبيق هذا المنطق على مؤسسة أبارتهايد في جنوب أفريقيا في ذروة المقاطعة الأكاديمية الدولية لكان سيؤدي إلى استمرارية العلاقات المعتادة مع تلك المؤسسة العنصرية طالما لم يكن المشروع الذي يتم تنفيذه معها مرتبطاً بشكل مباشر أو غير مباشر بسياسات الفصل العنصري. كون تلك المؤسسة ككل مذنبة بالتواطؤ مع نظام الفصل العنصري كان سيُعدّ غير ذي صلة، حسب هذا المنطق.
إن جامعة بن غوريون، كمؤسسة، مذنبة بالتواطؤ مع الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، ولا شيء يمكن أن يجعل التعاون معها في مشروع "بيئي" أو "علمي بحت" مقبولاً من الناحية الأخلاقية، حتى تقوم الجامعة بإنهاء تواطئها بشكل شامل يمكن التحقق منه. إن تورط هذه المؤسسة بأكملها في انتهاك القانون الدولي وحقوق الإنسان لا يمكن غسله بحرف الأنظار نحو تفاصيل المشروع المشترك مع جامعة جوهانسبرغ فحسب.
كما قال رئيس الأساقفة دزموند توتو:
في السنوات القيلية الماضية، كنا نشاهد وبسعادة تحوّل جامعة جوهانسبرغ من جامعة راند آفريكانز، مع كل إنجازاتها العلمية وايديولوجيتها القبيحة. والآن نتطلع إلى تحوّل مستمر ومبدئي في آن.
إن جامعة تعيش حقبة ما بعد الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، وهي لا تزال في طور التحول إلى مؤسسة ديموقراطية، لا يمكنها أن تنجز عملية التحول الضرورية هذه بشكل تامّ وهي لا تزال تحافظ على شراكة مع مؤسسة أبارتهايد في مكان آخر. نحن نأمل حقاً أن تستمر جامعة جوهانسبرغ في السير على الطريق التي اختارتها بقطع كافة علاقاتها مع جامعة بن غوريون والمؤسسات الإسرائيلية الأخرى المتورطة في خرق القانون الدولي وحقوق الإنسان.
الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل
(1) خبر صحفي صادر عن شعبة التسويق والاتصالات في جامعة جوهانسبرغ في 29 ديسمبر 2010
(3) المرجع نفسه.
(4) المرجع نفسه.
No comments:
Post a Comment