Sep 15, 2014

لماذا نقول أن المقاومة الفلسطينية إنتصرت؟

بقلم: احمد صبري

ملاحظة: كتبت هذه المقالة في 2009 بعد حرب غزة ولكن ما فيها ملائم للنشر مرة أخرى (مع بعض التعديلات) الآن في 2014 بعد حرب غزة الأخيرة.

في عام 2003 شنت قوات الاحتلال الأميركي غزواً برياً على العراق بدأ بأم قصر جنوباً، وقطع أكثر من 400 كلم إلى بغداد خلال 20 يوم. واليوم وفي أوائل عام 2009 لم تتمكن القوات الإسرائيلية من إحتلال مدينة غزة التي تبعد 4 كلم تقريباً عن "إسرائيل" بعد 22 - 23 يوم من القصف العنيف الذي سبقه 3 سنوات من الحصار، كانت آخر سنة فيها غاية في اللاإنسانية.حتى نفهم حرب غزة يجب أن نضعها في سياقها التاريخي: بدأت المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني مشوارها منذ أكثر من 60 عاماً، معتمدة على عمليات متفرقة داخل الأراضي المحتلة وعمليات قصف بري وعمليات إستشهادية، بالإضافة إلى تكتيكات دفاعية وكمائن متنوعة إذا دخلت قوات الاحتلال مدن وقرى الضفة والقطاع. قبل حرب غزة لم تتمكن هذه المقاومة منفردة طوال تاريخها من تحرير التراب الفلسطيني أو منع تقدم العدو، شهدت الحرب الأخيرة و بلا شك المرة الأولى التي تتمكن فيها المقاومة الفلسطينية وحدها من وقف تقدم الجيش الإسرائيلي. رغم صعوبة ومرارة الحصار الذي فتك بغزة قبل الحرب، إلا أن الاحتلال البري لم يدخل أي مدينة كبيرة من مدن القطاع وتمكنت المقاومة من إفشال هجماته. هذه المقاومة التي لم تكن قبل بضع سنوات قادرة على الصمود إلا لأيام معدودة كما في مجزرة جنين 2002 وما شابهها، صارت اليوم تتمكن من البقاء على أرض الواقع، وتشتبك مع العدو في معارك وتمنعه من اختراق أي مدينة رغم ان الحرب على عدة محاور خلافا لما كان عليه في الماضي من الدفاع عن مدينة او منطقة واحدة على حدة كل مرة. وكذلك تمكنت هذه المقاومة من إطلاق أكثر من 700 صاروخ وقذيفة طوال أيام الحرب مما أدى للإخلال بالحياة في عدد من المدن والتجمعات الإسرائيلية ونزوح عدد من محتليها عنها.كل هذا يعد نقلة نوعية - لا يلحظها الكل – في تاريخ النضال الفلسطيني وتعني أننا حتماً نتجه إلى المرحلة التي ستقوم فيها المقاومة بتحرير الأرض وليس فقط الدفاع عنها.هذه المرحلة آتية لا محالة، خصوصاً مع ترسخ المقاومة في ثقافة ووعي الفلسطينيين عامة وليس في فصائلهم فقط. هذه هي المرحلة التالية وقدومها مجرد مسألة وقت طال أم قصر، وهو شبه حتمية تاريخية يعرفها كل مطلع على التاريخ. ولعل إعتراف اسرائيل بوجود أسلحة دفاع جوي استعملتها المقاومة في حرب غزة لأول مرة دليل على ذلك، وأنه قريباً ستأتي معارك يكون فيها الجيش الاسرائيلي مكشوف في ساحات القتال وبالتالي يفقد أقوى نقاط قوته.ورغم أن حساب الربح والخسارة في الحروب لا يحسب إلا بتحقيق أهداف الحرب، إلا أن البعض لم ير أن إسرائيل هزمت في هذه الحرب رغم عدم تحقيقها لأي هدف، ويبررون قولهم هذا بعدد الضحايا المهول من القطاع، بل وبعضهم يلوم المقاومة على مقتلهم ولا يلوم القاتل !والحق يقال أن هذا العدد المأساوي من الشهداء ليس دليلاً على أي خسارة في الحروب بين دولة ودولة من جهة أو بين دولة وجماعات مسلحة من جهة أخرى، فقد انتصرت المقاومة الجزائرية مثلا بعد نضال طويل خسر فيه الجزائريون ما قد يصل لقرابة خمسة أضعاف ما خسره جيش فرنسا من قتلى، وفي الحرب العالمية الثانية لم تخسر دولة من أبناءها كما خسر الإتحاد السوفيتي مع ذلك لا يشك أحد في أنها أحد الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، خصوصاً وأنها الدولة التي اقتحمت برلين عاصمة هتلر وحولتها لدمار منهية ألمانيا النازية للأبد (التي خسرت أقل بكثير من الاتحاد السوفيتي)، بل منذ ذلك الحين وإلى اليوم تمتلك روسيا مقعداً دائماً في مجلس الأمن لأنها احد الدول المنتصرة في تلك الحرب. هل يمكن أن يأتي أحد اليوم ويقول بل هتلر انتصر لأن الخسائر الألمانية أقل؟! 
أما قول البعض بأن حكومة عباس هي حكومة منظمة انتهجت نهج "الاعتدال" لذلك تعيش في أمان – ناسين أو متناسين الاحتلال والإذلال والأسرى وتوسيع المستوطنات المستمر – وقولهم إن حماس و"مغامراتها" هي سبب الحرب، فذلك وهم قائم على إنكار الحق الطبيعي للشعوب المحتلة في المقاومة، وعلى جهل وتجاهل لتاريخ القضية الفلسطينية الذي احتوى هجمات إسرائيلية غير مبررة على فلسطين ولبنان والأردن ومصر وسوريا والعراق وتونس والسعودية والسودان.هذا الكيان الهمجي لم ينتظر مبرراً ليقصف لبنان أو ليخترق مجاليها الجوي والبحري، كما لم ينتظر مبرراً لقصف قاعدة سورية قرب دمشق قبل خمس سنوات فقط، فهل لهذه الدرجة ذاكرتنا قصيرة مع حقوقنا؟
وهل ننسى بهذه السهولة مئات الشهداء الذين سقطوا في حملات القصف والاجتياح في الضفة الغربية التي كان لها سيناريو مماثل لسيناريو غزة 2009، حين قصفت إسرائيل مقر ياسر عرفات في رام الله وحاصرته واقتحمته ودمرت قواته النظامية وطائرتيه الرئاسيتين ومروحيتيه وقصفت مجمع الأجهزة الأمنية في بيت لحم بالكامل، وحاصرت مقر قيادة جهاز الأمن الوقائي في بيتونيا، وقصفت عدة مقار أمنية أخرى ومكاتب الرئاسة ومقار السلطة الفلسطينية واحتلت مكتب محافظ رام الله، وقتلت و اعتقلت أفراد من الشرطة الفلسطينية، وفتشت كل شيء حتى المستشفيات، واقتحمت البنوك وأحرقت غرفة تجارة رام الله، وأعلنت إسرائيل أن رام الله منطقة عسكرية مغلقة طالبةً من الصحافيين والأجانب مغادرتها ومنعوا عنها وعن غيرها الكهرباء والماء والغذاء والدواء. في تلك الفترة جمدت المغرب علاقاتها مع إسرائيل بينما هددت الأردن بإجراءات ضدها في حين صرح البيت الأبيض أن "لإسرائيل حق الدفاع عن النفس" وقال شارون بأن "عرفات هو الوحيد المسؤول عن الإرهاب" وكل هذا رغم أن حكومة عرفات كانت "معتدلة" تدين العمليات الفدائية وتعتقل كوادر الفصائل الفلسطينية بما فيهم إسماعيل هنية رئيس الحكومة المقالة اليوم، ولم يكن عرفات يرفض الإعتراف بإسرائيل أو يحفر أنفاق تحت الأرض أو يهدد بضرب إسرائيل في عمقها، ولم تكن له علاقات إستثنائية مع إيران ولم يكن يروج للـ(مد الصفوي الفارسي الشيعي الرافضي المجوسي) وما سوى ذلك من كلام أعداء المقاومة. فكيف نسيتم؟
أما على المستوى الإقليمي والدولي فيما يخص غزة، فقد خسرت إسرائيل الكثير، خسرت تأييد الكثيرين لخيار "السلامولمبادرة "السلام" العربية التي ثبت عدم جدواها في إسترداد الحقوق كما خسرت مقراتها في قطر وموريتانيا – وتضررت علاقاتها مع فنزويلا وبوليفيا – وتلقت الكثير من الإدانات الدولية بما في ذلك إدانات كبار مسؤولي الأمم المتحدة، وتقارير موثقة تثبت بعض جرائم إسرائيل قامت بها مجموعات دولية كبرى مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس واتش وغيرهما، وتوحد أبناء الدول الإسلامية والعربية ضد العدوان، والمساعدات والتبرعات تنهال وتتحول إسرائيل لمطاردة في كل مكان، والمظاهرات ضدها في كل مكان، من طوكيو لكندا.في الوقت الذي كانت المظاهرات ضد إسرائيل تصل أمام البيت الأبيض كانت تسيفي ليفني تتهم في قلب واشنطن من قبل الصحافيين بأنها إرهابية، وحين تظاهر الآلاف في بلجيكا ضد الاحتلال وبعدها وردت تقارير أن ليفني ألغت سفرها لبريطانيا خوفاً من الاعتقال، وعندما تحركت مظاهرة مليونية في تركيا لأجل فلسطين كان فريق كرة السلة الإسرائيلي يطرد من الملعب على يد الناس الغاضبين، واقتحمت مجموعة غاضبة مصنعاً من المفترض أنه يصنع مواد عسكرية لإسرائيل في بريطانيا وحطمت بعضاً مما فيه، وأخفت إسرائيل أسماء عسكرييها خوفاً من الملاحقة القانونية، وتوالت أشكال التظاهر والاعتصام سلماً وعنفاً في كل مكان في العالم.وأدت الحرب إلى خسارة الدول العربية المؤيدة للعدوان المزيد من مصداقيتها أمام شعوبها وأمام العالم، بل ربما أكثر مما خسرته حين أيدت عدوان 2006 على لبنان، وصارت مفضوحة في تصرفاتها المؤيدة للاحتلال أكثر من أي وقت سبق، وفقدت الكثير جداً من شرعيتها.نعم، نقول إن المقاومة الفلسطينية انتصرت، على الأرض انتصرت وعلى المستوى الإقليمي انتصرت وعلى المستوى الدولي انتصرت. المقاومة الفلسطينية خرجت من هذه الحرب الشرسة منتصرة، وإلا فمن من أطراف النزاع انتصر ؟
لأن المؤكد أن إسرائيل وحلفاؤها قد خسروا الحرب.

2 comments:

  1. ليس كل ما في هذه المقالة ملائم للنشر الآن، فعبارة "وتوحد أبناء الدول الإسلامية والعربية ضد العدوان" مبالغة، والشعوب التي كنا نظن أنها مع المقاومة وضد أنظمتها الظالمة ظهرت على حقيقتها بعد الثورات، وحتى الأنظمة التي ظن بها البعض خيرا أيدت مبادرة السلام المزعوم. بل الأسوأ من ذلك أن النظام التركي لم يقطع علاقاته التجارية ولا السياسية بالصهاينة ولا توقفت رحلات الطائرات التركية إلى مطار اللد المحتل رغم أوامر المقاومة، ولا أعلنت شركة هايدروميك التركية عن أي قرار بمقاطعة الاحتلال وسياساته الاستيطان وهدمه البيوت، ولا طرد السفير الصهيوني من تركيا، بل حضر مراسم تنصيب الرئيس التركي وصافحه.
    لم تنتصر الضحية على الجلاد البلطجي بعد فقد خرج الصهاينة من غزة كما يخرجون بعد ضرب الأسير في سجنه لكن المقاومة ازدادت هذه المرة صمودا وازدادت قوة وأظهرت قدرة على ضرب أهداف عسكرية بدقة، وحصلت أمور كثيرة جيدة. لكن للإنصاف فهناك أمور أخرى سيئة، فالخروقات الصهيونية للهدنة متتالية دون رد ودون اهتمام إعلامي كاف بتعريف العالم بهذه الخروقات، وهذا ما حصل أيضا بعد اتفاق عام 2012 رغم أن الراعي المصري لذلك الاتفاق كان أقرب للمقاومة من الراعي المصري الآن، والمعابر كما هي، والزنانات تحلق فوق غزة، وأحد الأسرى الذين كانت المفاوضات ستطلب إطلاق سراحه قتل في السجن، وزاد التراشق الإعلامي بين الفلسطينيين. والانتصار ليس مطلوبا الآن بل المطلوب هو الصمود وتوحيد الصفوف وتوجيه السهام إلى العدو والاهتمام بالضعفاء والمرضى والأسرى وذوي الشهداء وحماية القدس وأهلها ودعم صمودهم وحماية المسجد الأقصى والمرابطين والمرابطات فيه وتفعيل المقاطعة العالمية للاحتلال وداعميه وتطوير الأدوار الإعلامي للشباب باللغة العربية والإنجليزية وبغيرهما، وزيادة الوعي بقضايا كثيرة، تتطلب الانخراط في دراسة متعمقة مثل دبلوم الدراسات الفلسطينية الذي تقدمه أكاديمية دراسات اللاجئين. والله المستعان.

    ReplyDelete