في الوقت الذي تتعرض فيه اسرائيل لحملة متنامية غير مسبوقة من المقاطعة بأشكالها المختلفة ,و بالذات الأكاديمية و الثقافية منها, و بشهادة قادة اسرائيل و مؤسساستها البحثية, بدليل تقرير مؤسسة رؤيا البحثي المقدم لمؤتمر هرتسليا المنصرم, و العدد الكبير للمغنين و الفنانين الذين قرروا الغاء حفلاتهم في اسرائيل بعد مجزرتي غزة و أسطول الحرية و في استجابة واضحة لا لبس فبها لنداء المقاطعة الصادر عن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني (2005) و الذي يتمتع الان باجماع و طني غير مسبوق, تبرز (ظاهرة) غاية في الغرابة.
في عددها الصادرة قبل يومين و على صفحتها الألكترونية باللغة الأنجليزية طالعتنا صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية بخبر عنونته كما يلي: (راقصة يهودية تهز الضفة الغربية!) >علامة التعجب من عندي<. و في تقديمها للخبر تقول الصحيفة: (قد يبدو و أن المحادثات بين الأسرائيليين و الفلسطينيين تسير بخطوات متثاقلة, و لكن الحفلات المقامة في الضفة تظهر أن السلام قد وصل!)> و علامة تعجب أخرى من عندي<. و تضيف الصحيفة أن (راقصة غامضة) قد أحدثت ضجة و أصبحت حديث المدينةبعد ظهورها في العديد من حفلات الزواج و تركت الحضور في حالة انبهار. و تتكرم الصحيفة و تضع صورة لراقصة شرقية يطلق عليها فلسطينيو الضفة الغربية لقب (الراقصة اليهودية) و التي رقصت في زفاف في مدينة بيت لحم (المحتلة) و التي تتقاضى 1600 شيكل مقابل كل 15 دقيقة من الرقص الشرقي.
لا شك أنني (مندهش) , ليس من جمال الراقصة أو عدمه, و ليس من (غموضها) حيث أن لا أحد يعرف اسمها, و لكن من التناقض الهائل ما بين ما نعانيه فى غزة, و الضفة أيضا, و (الواقع) الذي يعيشه البعض منا . لست معنيا في الخوض في طبيعة النظم الأخلاقية السائدة و من له (الحق) باطلاق الأحكام و القوانين و فرضها و تحول البعض منا الى حراس فضيلة, و لكني مع ما هو من حد أدنى من حس ليس وطنيا فقط, بل أيضا انساني. ففي الوقت الذي يتم فيه تعبئة الرأي العام العالمي ضد الممارسات الاسرائيلية الابادية ضد قطاع غزة المحاصر و المنكوب, و بعد أقل من سنتين من المجزرة التي أدت, و تبعا لتقارير منظمات حقوق الانسان, الى استشهاد 1434 من بينهم 434 طفل, و بعد أشهر قليلة من ارتكاب اسرائيل مجزرة جديدة بحق ناشطي سلام على متن أسطول الحرية و الذين جاءوا من أعالي البحار لتقديم العون و اظهار أسمى أنواع التضامن, و في نفس الوقت الذي تضاعف فيه اسرائيل مشروعها الاستيطاني في الضقة الغربية و تهود القدس و تطهر عرقيا بعض قرى النقب, يصبح (حديث المدينة) الراقصة اليهودية!
من المعروف ان الحملة الدولية المتنامية لمقاطعة اسرائيل تسترشد بما تطرحه لجنة المقاطعة الوطنية و حملة المقاطعة الأكاديمية و الثقافية لاسرائيل. و من الواضح أن المعايير التي حددتها الحملة للمقاطعة و الموجودة على صفحتها الاليكترونية و التي يسترشد بها الكثير من الفنانين و المغنين الدوليين(أمثال ألفيس كوستيلو, سنتانا, جيل سكوت هيرون , كن لوتش, جون برغر و غيرهم) ,يجب أن تطبق بحذافيرها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة الا اذا كان هناك من يعتقد أن الضفة الغربية دولة مستقلة ذات سيادة لا حاجة لها للاستجابة لنداء و معايير المقاطعة.
ذكرتني قصة( الراقصة اليهودية) بالراقصة كوكب في رواية غسان كنفاني رجال في الشمس. و يعلم كل من قرأها أن موت الرجال الثلاثة داخل خزان المياه كان بسبب تلك الراقصة! فهل نتعلم؟
د. حيدر عيد عضو اللجنة التوجيهية لحملة المقاطعة الأكاديمية و الثقافية لاسرائيل
No comments:
Post a Comment