كنت مهمومة بسبب هذا الانسداد في أوضاعنا. منذ أشهر، سيطرت علي فكرة تقول أن اختراق هذا الانسداد لا بد أن يكون عبر فكرة بسيطة، في غاية البساطة، كما هي جرعة الماء لعطشان. بالرغم من أننا كنا نعلم ومنذ عقود كثيرة عن نموذج غاندي في مقاومة الاستعمار البريطاني في معركة حصول بلده الهند على استقلاله، إلا أن فكرته الجوهرية وشديدة البساطة، بقيت بعيدة عن مجالنا النفسي، ولم تستطع اختراق جدار وعينا، الذي جعل من المقاومة المسلحة المثل والنموذج والمبتغى، والذي تحوّل بعد ذلك إلى عقدة العقد. في الأمس، حضرتُ اجتماعا لحملة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، كدت أصرخ مثل صرخة أرخميدس: وجدتها. والصحيح: لقد وجدها الشباب.
شباب لا يحملون في أنفسهم تعقيدات الماضي من بحث عن المواقع والامتيازات والحصص والتمويل والمقرات والحراسات وما إلى ذلك مما راكمته مسيرة الثورة الفلسطينية من أعباء على نفسها، حولتها إلى مسيرة معاقة. لا، لا شيء من ذلك. قال أحد أفراد الحملة: نحن جميعا نعمل متطوعين. كي تنضم إلى الحملة لا تحتاج إلى استمارة عضوية ولا إلى إذن من أحد أو موافقة أحد. ببساطة؛ حقك أن تقاوم. وواجبك أن تقاوم. أن تقاوم يعني أن تحافظ على كرامتك الوطنية.
إذن هي بعينها، وبهذه البساطة. أن تقاطع هذا المحتل الذي يتوغل في دمك. صحيح أن الحملة تتجه للخارج، لمقاطعة إسرائيل أكاديميا وثقافيا من قبل الأكاديميين والمثقفين في العالم، وهي حملة ناجحة، وتحقق انجازات في غاية الأهمية، وتحولت الى كابوس لإسرائيل، وضعت كل إمكانياتها لمواجهته. لكن، ما المانع أن تتحول هذه الحملة الى حملة شاملة يُقدم عليها كل فلسطيني؟ كيف لا ينفتح وعي الفلسطيني؛ أعني أي فلسطيني؛ شيخا، شابا، طفلا، رجلا، امرأة، متعلما، جاهلا، غنيا، فقيرا، في مدينة أو قرية أو مخيم، كي يمتشق كرامته الإنسانية والوطنية ويرفض التعامل مع هذا المحتل؟ فيتوقف عن الاستمتاع في تناول بوظة المحتل أو التجمل بثيابه، أو تكديس الأثاث والكماليات الإسرائيلية في بيته، أو التنزه في متنزهاته، أو الابتسام له على الحواجز وطرح السلام عليه وشكره بعد أن يكون قد احتجز هويته ربع ساعة على الأقل، أو بإرسال أبنائه للقاء مع أبناء محتله في أوروبا أو في أميركا؟
أي صعوبة في ذلك؟ هل يحتاج هذا إلى مشاريع تقدم إلى المانحين ليوافقوا على تمويلها بعد الخضوع لشروطهم وإملاءاتهم؟ من الذي لا يستطيع ذلك؟ هل هذا مؤثر؟ ألا نسترد كرامتنا المهدورة على الحواجز وعلى أبواب المفاوضات العبثية؟ ألا نمتشق قاماتنا وكرامتنا الوطنية والإنسانية؟ ألا نكنس العقليات التي تتربى على التكسب وتحويل النضال إلى حصص لهذا أو ذاك الفريق أو الشخص الذي يراكم الامتيازات والحراس من حوله؟ كم هي فكرة بسيطة بل في غاية البساطة ورائعة. كم هي فكرة جوهرية. كم هي فكرة ثورية. ها هم شباب فلسطين، يجترحون المعجزة الباهظة البساطة والعالية الفعالية.
14/11/2010
odehaisha@yahoo.com
No comments:
Post a Comment