تكمن ميزة إيلي فايزل، الحائز على نوبل للسلام، في سعيه الدائم لتجديد الصهيونية عبر محاولات منحها إنسانوية تفتقدها بشدة بعد التطبيق (وقبله تأكيداً، ولكن الإيديولوجيات كلها لا تتجسد إلا عندما «تنزل» لتسكن في الواقع)، وعبر تغليفها بكثافة فكرية، ولو أنها شكلية، لأنها غير ذات صلة بالموضوع، تغرف لهذه الغاية من إلفة الرجل مع الفلسفة والأدب والموسيقى، وهو يوظف كل هذا في خدمة الصهيونية وإسرائيل، تعينه في ذلك بشدة الهالة التي تمنحها نوبل لأصحابها.
وخلال الأسبوع المنصرم، وبشكل متزامن فعلاً، صدر موقفان لافتان للنظر، نشرا على نطاق واسع: واحد يقوده إيلي فايزل ذاك، وعنوانه «لا لخرافة ـ ميث ـ الأبرتايد»، وعنوانه الفرعي «تصريح حاملي جوائز نوبل رداً على حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات BDS، ونداء المقاطعة الأكاديمية»... لإسرائيل طبعاً. ويلي ذلك توقيع 38 شخصية حائزة على جائزة نوبل في اختصاصات متنوعة، كلها علمي، كالفيزياء والكيمياء. ويعني ذلك أن هؤلاء، هم الآخرون، يلوون عنق جوائزهم لتوظيف هالتها، في ما لا صلة له بالسبب الذي مُنحوا نوبل لأجله، وهذا اعتداء أخلاقي على الجائزة. ولكن دعونا من ذلك. وقد بدا الأمر صاخباً، وإنما، ومن دون القليل من شأن هذا الحدث، فعلينا أن نعرف أن هناك على الأقل 200 حائز على نوبل ما زالوا على قيد الحياة، وقد توجه إيلي فايزل إليهم جميعاً، فلم يستجب له إلا هؤلاء العلماء. ومن دون تبرئتهم من مسؤولية الموافقة على منح أسمائهم، ومجددا على توظيف جوائزهم في ما لا علاقة له بالموضوع، فيمكن تفسير موقف معظمهم بجهله التام بالمواضيع السياسية والفكرية، كما أن يهودية الموقعين قد استُنفرت تجاه ما يقال له اليوم «نزع الشرعية عن إسرائيل» الذي تهدف إليه حملة المقاطعة، واتهامها بأنها تبني نظام تمييز وفصل عنصريين (أو الأبرتايد)، دفع إلى الحملة العالمية ضد نظام جنوب أفريقيا السابق، وهو مدان في شرعة الأمم المتحدة. وحصيلة ذلك تُصوَّر باختصار ديماغوجي على أنها تهديد جديد بإبادة اليهود. ولم يحصل فايزل على توقيعات آخرين من حملة نوبل، في الأدب والاقتصاد
والسلام، مع أن بينهم أيضا نسبة من اليهود، ما يسجل لأهمية دلالته
الموقف الثاني صَدَرَ ونشر في جريدة لوموند الفرنسية العريقة يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو يتخذ عنواناً يقول «مقاطعة إسرائيل سلاح مشين»، ووقعه رئيس بلدية باريس السيد دولانويه، ومعه بضعة نواب، وكذلك السكرتير السابق للحزب الاشتراكي السيد هولاند (وهو عادة موضع سخرية عامة في فرنسا بوصفه أبله، ولكنه يسعى رغم ذلك، وبكل الوسائل ومنها التزلف للصهاينة، إلى استعادة مكانته في حزبه، وربما إلى ترشحه لرئاسة الجمهورية في انتخابات عام 2012! ما يثير مسألة «المقلب» الذي يبتلعه بعض السياسيين حين يعجزون عن تقييم أنفسهم ومعرفة حدودهم، وهو مرض شائع جداً لدى هذه الفئة من الناس في العالم كله، ولكن هذا أيضاً موضوع آخر).
وهناك طبعاً الأسماء التقليدية، ممن يقال لهم «الفلاسفة الجدد»، وعلى رأسهم الآفتان في السطحية، الآن فينكلكروت وبرنار هنري ليفي، وحشد من الفنانين من الدرجة الرابعة، وأخيرا سكرتير حملة النداء اليهودي (أو «جي كول»)، الذي صُور عند صدوره، مثله مثل نداء «جي ستريت» الاميركي، على أنه خطوة إيجابية باتجاه السلام، بل دعا بعض الكتاب العرب إلى تبنيه على هذا الأساس!
No comments:
Post a Comment